//أنا العربية//بقلم الشاعرة المبدعة فاطمة سليمان محمد

 أنا العربية، إمبراطورة الكلمات،

بقلمي . أ.فاطمة سليمان محمد 


تاجي ذكاء الفجر، وعباءتي جمال الليل،

وأمراؤها أبناء الحروف، يحملون لواء العزة،

يسيرون في دروب النور، لا يلينون، ولا يخذلون عهد الممالك.

أنا التي كان اسمي أوّل نشيدٍ على شفاه الأنبياء،

وما زالت كلماتي تسكن أفواه العشاق،

وأصبحت نطقي ملاذاً لمن تاه عن هويته،

من الشام إلى الرافدين، من مصر إلى الجزائر، من نجد إلى المغرب…

كتبوا اسمي في دفاتر الزمن،

وزرعوني في المناهج،

وحفظوني كما تُحفظ الأمهات في الدعاء،

وكان فضلهم عليّ عظيمًا.

إن كانت سوريا أغدقت على لساني من البيان،

ففلسطين شدّت أوتاري،

والمغرب صاغ لي الشعر على ضفاف الأطلس،

والخليج قرأني بين الرمل والبحر،

واليمن رتّلني كما يُرتّل السلام.

أنا الفعل…

ماضٍ يحكي المجد، نقش الحكاية ومضى،

ومضارعٌ يُقاوم النسيان، حيٌّ لا يعرف النوم،

وأمرٌ في صيغة الرجاء: اكتب بي، عش بي، قاوم بي.

أنا "إنّ" حين تؤكد وجودك،

و"كأنّ" حين تشبهني بقلبك،

و"لكنّ" حين تصحّح للغافلين فكرتهم عني،

و"ليت" حين تتمنى أن تراني في فم كل طفل،

و"لعلّ" حين ترجو بي طريقاً نحو النور.

أنا "كان" حين يبدأ تاريخك،

و"أصبح" حين تشرق بي على عينيك،

و"ظلّ" حين لا يغيب حنيني عنك،

و"ما زال" حبك لي ثابت رغم الضجيج.

أنا الحازمة لحروف الضعف،

والناصبة للجهل،

والجازمة للكسل،

والرافعـة للوعي،

والمعربة عن هوية لا تتنكّر،

أنطق بالحق، ولو كره الغافلون.

أنا الضمير حين يغيب الضمير،

أنا النفس التي لم تنفصل عنكم،

أنا الحرف المتصل بالروح،

والفاصلة بين الحق والفراغ،

والبيان الذي أُنزِل نوره على لسان عربي مبين.

أبنائي في الشام، في السودان، في تونس، في عُمان، في ليبيا، في مراكش، في بغداد…

كتبوا بي، نطقوا بي، جادلوا بي،

وما بدلوا تبديلاً.

أنا لا أميّز بين "أنا" و"هو"،

ولا أضع "أنتما" خلف "أنتم"،

فأنتم جميعًا على خطّ النحو أبناء قلبي،

لكل فعلٍ فيكم معنى،

ولكل ضمير فيكم حياة.

أنا أمُّ الأفعال، أعرفهم من مشيتهم.

ماضيي… ابن المجد، يمشي خلفه التاريخ،

يقول: "كتبتُ… صنعتُ… أحببتُ"،

ولا يلتفت، فقد نقش الحروف على جدران الزمان.

مضارعي… ابن الحياة،

ينبض الآن، يقول: "أكتبُ… أسعى… أبني"،

كلّه حركة، كلّه أمل لا ينام.

وأمري… الابن الذي لا يقبل التردد،

حين يناديك يقول: "انهضْ… اقرأْ… قاومْ"،

هو شرارة البداية، وحسم القرار.

وأنا،

أعرف ضمائري كما تعرف الأم دقات قلوب أبنائها،

المنفصلون بي لا يتيهون،

والمتصلون بي لا ينكسرون

ولا أنسى "هو"،

ذاك الذي يسير صامتًا بين السطور،

يحمل الحكاية دون أن يبوح،

يغيب في العبارة، ويظهر في المعنى.

هو الغائب الحاضر…

له رفقة: "هي"، و"هما"، و"هم"، و"هنّ"،

وجميعهم أبنائي، وإن لم ينطقوا،

ففي كل نص لهم ظل، وفي كل قصة لهم وجه.

"هو" لا يقول "أنا"،

لكن في صمته… كل الحكاية.


✦ الختام:


عودوا إليّ،

لا كما يعود الغائب،

بل كما يعود العارف.

تكلّموا بي لا لأنكم مضطرون،

بل لأن القلب عشّاق.

اكتبوا بي لا لأن المدرس طلب،

بل لأن الروح نطقت.

ولا تخشوا زلّة،

فأنا الإمبراطورة…

أحتضن الخطأ كما أحتضن الطفولة،

وأبتسم للّحن كما أبتسم لأول نطق.

أنا لست درسًا في كتاب،

أنا دفء الأمومة حين تُنادى،

وأنا يقين الهوية حين تُنسى.

فإن سألوا يومًا:

"من أنتم؟"

قولوا:

نحن من نُقشت أرواحنا بالحرف،



وسُقيت هويتنا من نطقها الأول.


الكاتبة والمؤلفة .أ.فاطمة سليمان محمد 

الجمهوريه العربيه السوريه

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

//بتلات الياسمين//بقلم الشاعرة المبدعة سلوى محفظ

//اعتذار وغياب//بقلم الشاعرة المبدعة سلوى محفظ

//خرابيش//بقلم الشاعرة المبدعة دنيا محمد//